فصل: (بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ):

قَدَّمَهَا عَلَى الذَّهَبِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ تَدَاوُلًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَهْرَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ يُقَدَّرُ بِهَا ثُمَّ الْفِضَّةُ تَتَنَاوَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَ الْمَضْرُوبِ وَالْوَرِقُ وَالرِّقَّةُ تَخْتَصُّ بِالْمَضْرُوبِ وَجَمْعُهَا رُقُوقٌ بِضَمِّ الرَّاءِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) أَيْ مَوْزُونَةٍ زِنَةَ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا (فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا يُبْنَى عَلَى هَذَا أَحْكَامُ الزَّكَاةِ وَنِصَابُ السَّرِقَاتِ وَتَقْدِيرُ الدِّيَاتِ وَالْمَهْرِ وَالْخَرَاجِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ حُلِيًّا فَيُجْمَعُ جَمِيعُ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْخَوَاتِيمِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَاللِّجَامِ وَالسَّرْجِ وَالْكَوَاكِبِ فِي الْمُصْحَفِ وَالْأَوَانِي وَالْمَسَامِيرِ الْمُرَكَّبَةِ فِي السَّكَاكِينِ وَالْأَسْوِرَةِ وَالدَّمَالِيجِ وَالْخَلَاخِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ بَلَغَتْ كُلُّهَا وَزْنَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ وَزْنُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهَا لِجَوْدَتِهَا وَصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا.
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْأَوْزَانَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَلِفَةً فَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنِ الدِّرْهَمِ عِشْرِينَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ عَشَرَةٍ وَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنُهُ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ خَمْسَةٍ وَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ سِتَّةٍ فَكَانُوا يَتَصَارَفُونَ بِهَا إلَى زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ الْخَرَاجَ فَطَالَبَهُمْ بِالْأَكْثَرِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَالْتَمَسُوا مِنْهُ التَّخْفِيفَ فَجَمَعَ حُسَّابَ زَمَانِهِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمْ فَاسْتَخْرَجُوا لَهُ وَزْنَ السَّبْعَةِ فَجَمَعُوا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَزْنُهَا اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا فَقَسَمُوهَا أَثْلَاثًا فَكَانَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَإِنَّمَا كَانَتْ السَّبْعَةُ وَزْنَ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّك إذَا جَمَعْتَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَارَ الْكُلُّ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِذَا أَخَذْتَ ثُلُثَ ذَلِكَ كَانَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ وَصُورَتُهُ أَنَّك تَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي عَشَرَةٍ وَتَجْمَعُهُ يَكُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى عِشْرِينَ يَصِحُّ مِنْ الْقِسْمَةِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا فَثُلُثُهُ سَبْعَةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِدَرَاهِمِهِ وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَعَلَيْهِ إطْبَاقُ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاعْلَمْ أَنَّك مَتَى زِدْت عَلَى الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ كَانَ مِثْقَالًا لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَمَتَى نَقَصَتْ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِهِ وَهُوَ سِتَّةٌ كَانَ دِرْهَمًا لِأَنَّ الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ مَعَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ) قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دِرْهَمًا فَفِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْفِضَّةِ) لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْغَالِبَةُ كَانَ الْغِشُّ مُسْتَهْلَكًا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ زَائِدَةً عَلَى النِّصْفِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْغِشُّ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ) لِأَنَّ غَلَبَتَهُ عَلَيْهَا يُخْرِجُهَا عَنْ حُكْمِ الْفِضَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهَا بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ إذَا كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ أُحْرِقَتْ لَا يَخْلُصُ مِنْهَا نِصَابٌ أَمَّا إذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهَا نِصَابٌ وَجَبَ زَكَاةُ الْخَالِصِ وَإِذَا اسْتَوَى الْخَالِصُ وَالْغِشُّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ خَمْسَةٌ احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتَهَا نِصَابًا) وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ.

.(بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ):

.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا) زِنَةُ كُلِّ مِثْقَالٍ مِنْهَا عِشْرُونَ قِيرَاطًا (وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ نَظْمًا وَالْفَرْضُ فِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبْ نِصْفٌ مِنْ الْمِثْقَالِ فِي الْحَوْلِ وَجَبْ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ فَيَكُونُ فِيهَا قِيرَاطَانِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَالْأَرْبَعَةُ الْمَثَاقِيلُ ثَمَانُونَ قِيرَاطًا وَرُبُعُ عُشْرِهَا قِيرَاطَانِ وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ كَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَفِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَحُلِيِّهِمَا وَالْآنِيَةِ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ) التِّبْرُ الْقِطْعَةُ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْ الْمَعْدِنِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ وَقَوْلُهُ وَحُلِيِّهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ حُلِيٍّ مُعَدٍّ لِلِّبَاسِ الْمُبَاحِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ {النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى امْرَأَتَيْنِ تَطُوفَانِ وَعَلَيْهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُمَا قَالَتَا لَا قَالَ أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالَتَا لَا قَالَ فَأَدِّيَا زَكَاتَهُمَا} وَأَمَّا الْيَوَاقِيتُ وَاللَّآلِئُ وَالْجَوَاهِرُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ حُلِيًّا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ.
وَأَمَّا الْآنِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَلْجِمَةُ وَغَيْرُهَا فَالزَّكَاةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا بَيْنَ الْأَدَاءِ مِنْ عَيْنِهَا وَالْأَدَاءِ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ إنَاءٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهِ تَصَدَّقَ بِرُبْعِ عُشْرِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَتُشَارِكُهُ فِيهِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْدِلُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ الذَّهَبُ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ عِنْدَهُ مُعْتَبَرَةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ جَازَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَزْنِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَالَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ دُونَ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ الْقِيمَةُ دُونَ الْقَدْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْفَعُ الْوَجْهَيْنِ لِلْفُقَرَاءِ بَيَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا قَفِيزِ حِنْطَةٍ لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقِيمَتُهَا كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ فَإِنْ اسْتَقْرَضَ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ قِيمَتُهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَأَدَّاهَا عَنْ هَذِهِ أَجْزَأَهُ.
وَسَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ رِبًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا قَفِيزٍ رَدِيئَةٍ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَأَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَدَّاهَا عَنْ خَمْسَةِ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ قَفِيزٌ آخَرُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ دُونَ الْقَدْرِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ أَنْفَعَهُمَا لِلْفُقَرَاءِ وَهُنَا اعْتِبَارُ الْقَدْرِ أَنْفَعُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ زُيُوفٍ أَوْ نَبَهْرَجَةٍ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ فَأَدَّى عَنْهَا أَرْبَعَةً جَيِّدَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا خَمْسَةً رَدِيئَةً لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ وَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ آخَرُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَهَا وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ جَيِّدَةً فَأَدَّى عَنْهَا خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ جَيِّدَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ قَلْبُ فِضَّةٍ جَيِّدَةٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَته لِجَوْدَتِهِ وَصِنَاعَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ رُبُعُ عُشْرِهِ فَإِنْ أَدَّى خَمْسَةً زُيُوفًا أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا سِوَى الْفِضَّةِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهِيَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي النَّذْرِ إذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ فَأَدَّى قَفِيزًا رَدِيئًا خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ فَلَوْ أَوْجَبَ قَفِيزًا رَدِيئًا فَأَدَّى نِصْفَ قَفِيزٍ جَيِّدٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ قَفِيزٍ رَدِيءٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ النِّصْفِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَوْ أَوْجَبَ شَاتَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ شَاتَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَكَذَا فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَاتَانِ وَسَطًا فَأَدَّى شَاةً سَمِينَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَدَّى بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ أَجْزَأَهُ.

.(بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ):

أَخَّرَهُ عَنْ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِهِمَا وَالْعُرُوضُ مَا سِوَى النَّقْدَيْنِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّوَائِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَمِيرِ.
قَوْلُهُ: (يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) تَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا اشْتَرَاهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَبْلُغُ بِكِلَا النَّقْدَيْنِ نِصَابًا أَمَّا إذَا بَلَغَتْ بِأَحَدِهِمَا قَوَّمَهَا بِالْبَالِغِ إجْمَاعًا بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالدَّرَاهِمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ يَجِبُ نِصْفُ مِثْقَالٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي سِتَّةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمِثْقَالِ عِنْدَهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ.
فَإِنْ كَانَ لَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَوْمَ الْحَوْلِ وَلَا يُلْتَفَتُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانِهَا وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الْأَدَاءِ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَا قَفِيزِ حِنْطَةٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا حَتَّى نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فَصَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنْ أَدَّى مِنْ الطَّعَامِ أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهِ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَإِنْ كَانَ هَذَا الطَّعَامُ زَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهِ أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ بِوَاسِطَةِ الْجَفَافِ أَوْ الْبَلَلِ أَوْ أَكَلَ السُّوسُ بَعْضَهُ فَنَقَصَ كَمَا إذَا ابْتَلَتْ الْحِنْطَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ مِائَتَيْنِ أَوْ أَكَلَ السُّوسُ بَعْضَهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهَا فَخَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَإِنْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهَا فَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ إلَى زِيَادَةٍ بِأَنْ كَانَتْ يَوْمَ الْحَوْلِ مُبْتَلَّةً وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَيَبِسَتْ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ الْعَيْنِ فَخَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ فَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُضَمُّ وَنُقْصَانُ النِّصَابِ يُسْقِطُ قَدْرَهُ مِنْ الزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ أَمَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّاجِرَ دَائِمًا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ وَتَصَرُّفُهُ قَدْ يَكُونُ رَابِحًا وَقَدْ لَا يَكُونُ بِازْدِيَادِ السِّعْرِ وَغَلَائِهِ وَأَمَّا فِي السَّوَائِمِ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مَوْتٍ وَوِلَادَةٍ وَرُبَّمَا يَغِيبُ بَعْضُهَا أَمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ أَمَّا فِي ابْتِدَائِهِ فَلِلِانْعِقَادِ وَأَمَّا فِي انْتِهَائِهِ فَلِلْوُجُوبِ وَقَيَّدَ بِالنُّقْصَانِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا هَلَكَ كُلُّ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مَعْنَاهُ انْتَقَصَ وَبَقِيَ الْبَعْضُ أَمَّا إذَا هَلَكَ كُلُّهُ وَاسْتَفَادَ نِصَابًا آخَرَ انْقَطَعَ حُكْمُ النِّصَابِ الْأَوَّلِ وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْحَوْلِ وَلَمْ يَبْنِ الْوَارِثُ عَلَى ذَلِكَ الْحَوْلِ.
قَوْلُهُ: (وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَكَذَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ أَجْنَاسُهَا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ حَتَّى يَتِمَّ النِّصَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَيُضَمُّ بِالْأَجْزَاءِ) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَمَعَهُ أَيْضًا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا لِكَمَالِ النِّصَابِ بِالْأَجْزَاءِ وَكَذَا عِنْدَهُ أَيْضًا احْتِيَاطًا لِجِهَةِ الْفُقَرَاءِ.

.(بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ):

الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ هَا هُنَا الْعُشْرُ وَتَسْمِيَتُهُ زَكَاةً خَرَجَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِ النِّصَابَ وَالْبَقَاءَ فَكَانَ نَوْعُ زَكَاةٍ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا كَانَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ سُمِّيَ زَكَاةً.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ) حَدُّ الْقَلِيلِ الصَّاعُ وَمَا دُونَهُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَقِيلَ حَدُّهُ نِصْفُ صَاعٍ وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ هُنَا الْعُشْرِيَّةُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَى الرِّبَاطَاتِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْمَدَارِسِ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ مُسْقَى سَيْحًا) السَّيْحُ الْمَاءُ الْجَارِي.
قَوْلُهُ: (أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ) يَعْنِي الْمَطَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا وَقَعَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ** رَعَيْنَاهَا وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا.

قَوْلُهُ: (إلَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُسْتَنْبَتُ عَادَةً بَلْ تَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَا السَّعَفُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ وَالشَّجَرُ لَا عُشْرَ فِيهِ وَكَذَا التِّبْنُ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَاقُ الْحُبُوبِ كَالشَّجَرِ لِلثِّمَارِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ غَيْرُهُمَا وَهُوَ الثَّمَرُ وَالْحَبُّ وَأَمَّا إذَا قَصَدَ بِالشَّجَرِ الِاسْتِغْلَالَ كَشَجَرِ السَّرْحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَأَمَّا الْقَصَبُ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ وَالْقَصَبُ الْفَارِسِيِّ فَقَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فِيهِمَا الْعُشْرُ وَالذَّرِيرَةُ هُوَ قَصَبُ السُّنْبُلِ وَأَمَّا الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَنْبَتُ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ أَمَّا إذَا اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَقْصَبَةً أَوْ مَشْجَرَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ وَسَاقَ إلَيْهِ الْمَاءَ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ) أَيْ تَبْقَى عَيْنُهُ حَوْلًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَشْمِيسٍ مِمَّا يُقْتَاتُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذَّرَّةِ وَالدَّخَنِ وَالْأَرُزِّ وَالْجَاوَرْسِ وَالْعَدَسِ وَالْمَاشِّ وَاللُّوبِيَا وَهِيَ الدَّخَنُ وَالْحِمَّصُ وَالْبُرَعِيُّ وَالْهِنْدِبَاءُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ وَهُوَ يَبْقَى سَنَةً أَوْ يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا عَامًّا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرِ وَالْفُلْفُلِ وَالْكَمُّونِ وَالْخَرْدَلِ وَالْكُزْبَرَةِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَفِي السِّمْسِمِ الْعُشْرُ فَإِنْ عُصِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْعُشْرُ أُخِذَ مِنْ دُهْنِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الشُّجَيْرَةِ شَيْءٌ وَكَذَا الزَّيْتُونُ عَلَى هَذَا وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ فِي الصَّحِيحِ وَلَا عُشْرَ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّعْتَرِ وَالشُّونِيزِ وَالْحَلْفِ وَالْحُلْبَةِ وَقِيلَ يَجِبُ فِي الشُّونِيزِ الْعُشْرُ وَهُوَ حَبَّةُ السَّوْدَاءِ وَلَا شَيْءَ فِي الْخِطْمِيِّ وَالْوَسْمَةِ وَبِزْرِهِ وَلَا فِي الْأُشْنَانِ وَلَا فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَشَبِ كَالْقَطِرَانِ وَالسُّلْتِ وَالْقَتِّ وَالصَّمْغِ وَلَا شَيْءَ فِي بَزْرِ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ وَلَا فِي بَزْرِ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالدُّبَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلزِّرَاعَةِ دُونَ الْأَكْلِ.
قَوْلُهُ: (إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْوِسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوِسْقُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْوِسْقُ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حِمْلِ جَمَلٍ وَجُمْلَةُ الْأَوْسَاقِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَزْبُدٍ بِزَبَدِيِّ زُبَيْدٍ السُّنْقُرِيِّ فَيَكُونُ الْوِسْقُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مَنًّا فَالْخَمْسَةُ الْأَوْسُقُ عَلَى هَذَا أَرْبَعَةُ أَمْدَادِ الْأَرْبَعِ وَعَلَى تَخْرِيجِ أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ مُدَّانِ وَنِصْفٌ بِالسُّنْقُرِيِّ لِأَنَّ نِسْبَةَ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ ثُلُثَاهَا فَخُذْ ثُلُثَيْ أَرْبَعَةِ أَمِدَادِ الْأَرْبَعِ تَجِدْهُ مُدَّيْنِ وَنِصْفًا.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَهُمَا عُشْرٌ) فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِالِاتِّفَاقِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالْخَضْرَاوَاتُ مَا لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ كَالْبُقُولِ وَالرِّطَابِ فَالْبُقُولُ كَالْكُرَّاثِ وَالْبَقْلِ وَالسَّلْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالرِّطَابُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْبَصَلُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا عَامًّا وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ، وَالْعِنَبُ إنْ كَانَ يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ مِقْدَارَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُخْرَصَ جَافًّا فَإِنْ بَلَغَ مِقْدَارَ ذَلِكَ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ إنْ كَانَ يُسْقَى بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْعِنَبُ رَقِيقًا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَاءِ وَلَا يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ كَثُرَ.
قَوْلُهُ: (وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ) الدَّالِيَةُ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ الْمَاءُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ وَالْبَقَاءُ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ سَيْحًا وَفِي بَعْضِهَا بِالْغَرْبِ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السَّوَائِمِ إذَا عَلَفَهَا صَاحِبُهَا فِي الْحَوْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَصَادَ إذَا بَلَغَتْ حَدًّا يَنْتَفِعُ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حُصِدَتْ وَصَارَتْ فِي الْجَرِينِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ مَا صَارَ حَبًّا جَرِيشًا أَوْ أَطْعَمَ غَيْرَهُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ عُشْرَ مَا أَكَلَ وَأَطْعَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ وَيُحْتَسَبُ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْأَوْسُقِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْوُجُوبِ يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَأْكُولُ مَعَ الْبَاقِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْ الْحَصَادَ قَبْلَ أَنْ تُحْصَدَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ فِي الْجَرِينِ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَمَا تَلِفَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ حَصَادِهِ أَوْ سُرِقَ فَلَا عُشْرَ فِي الذَّاهِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي تَمَامِ الْأَوْسُقِ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ بَعْدَ الْوُجُوبِ حَتَّى أَنَّ الْبَاقِي لَوْ كَانَ مَعَ الذَّاهِبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْتَبَرُ الذَّاهِبُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مُتْلِفِهِ ضَمَانَهُ أَدَّى عُشْرَهُ وَعُشْرَ مَا بَقِيَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ) أَيْ لَا يُكَالُ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِسْقِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا وَنَحْنُ نَقُولُ كَالْحِمَّصِ وَالدَّخَنِ فِي بِلَادِنَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَمْثَالٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ) كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ (وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ) وَالْمَنُّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) لِمَا رُوِيَ {أَنَّ بَنِي شَبَابَةَ بِفَتْحِ الشِّينِ قَوْمٌ مِنْ خَثْعَمَ بِالطَّائِفِ كَانَتْ لَهُمْ نَحْلٌ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ مِنْ عَسَلِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ وَكَانَ يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَهُمْ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنَّ النَّحْلَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنْ أَدَّوْا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ وَادِيَهُمْ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ فَدَفَعُوا إلَيْهِ حِينَئِذٍ الْعُشْرَ مِنْهُ} كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّحْلَ يَأْكُلُ مِنْ أَنْوَارِ الشَّجَرِ وَمِنْ ثِمَارِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} وَالْعَسَلُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الثِّمَارِ وَفِي الثِّمَارِ إذَا كَانَتْ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ الْعُشْرُ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ ثِمَارَهَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا عُشْرٌ وَبِهَذَا فَارَقَ دُودَ الْقَزِّ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْوَرَقَ دُونَ الثِّمَارِ وَلَيْسَ فِي الْأَوْرَاقِ شَيْءٌ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَاَلَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ هُوَ الْإِبْرَيْسَمُ وَلَا عُشْرَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْعَسَلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الثِّمَارِ وَالْعُشْرُ عِنْدَهُ يَجِبُ فِي قَلِيلِ الثِّمَارِ وَكَثِيرِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النِّصَابُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ أَزْقَاقٍ) كُلُّ زِقٍّ خَمْسُونَ مَنًّا وَمَجْمُوعُهُ خَمْسُمِائَةِ مَنٍّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ وَالْفَرَقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا) الْفَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ إنَاءٌ يَأْخُذُ سِتَّةَ عَشَر رِطْلًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَ الرَّاءَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِخَمْسَةِ أَفْرَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ خَمْسَةِ أَمْثَالٍ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ عُشْرٌ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْعَسَلِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(بَابُ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ):

لَمَّا ذَكَرَ الزَّكَاةَ عَلَى تَعْدَادِهَا وَكَانَتْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْمَصَارِفِ أَوْرَدَ بَابَ الْمَصَارِفِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةُ) اللَّامُ فِي هَذَا الْبَابِ لِبَيَانِ جِهَةِ الْمُسْتَحِقِّ لَا لِلتَّشْرِيكِ وَالْقِسْمَةِ بَلْ كُلُّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ دَفْعُ صَدَقَتِهِ كُلِّهَا إلَيْهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ وَيَجُوزُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفِ لِأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ لَا يُحْصَى وَالْإِضَافَةُ إلَى مَنْ لَا يُحْصَى لَا تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْجِهَةِ فِيهِ فَيَتَنَاوَلُ الْجِنْسَ وَهُوَ الْوَاحِدُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الدِّجْلَةِ فَشَرِبَ مِنْهُ جُرْعَةً وَاحِدَةً حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِهِ كُلِّهِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ بِجُمْلَتِهِمْ لِلزَّكَاةِ مِثْلُ الْكَعْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ مِثْلُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ وَاسْتِقْبَالِ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ كَافٍ وقَوْله تَعَالَى إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ وَهُوَ حَصْرٌ لِجِنْسِ الصَّدَقَاتِ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْمَعْدُودَةِ وَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ مُنْحَصِرَةٌ عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا هِيَ لَهُمْ وَلَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ: (الْآيَةُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ الْآيَةُ بِتَمَامِهَا وَالنَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أُتِمُّ الْآيَةَ وَعَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ لِأَنَّ " فِي " لِلدُّعَاءِ وَتَكْرِيرُ " فِي " فِي قَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ هَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ.
قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ قَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ) وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ كَانَ يُؤَلِّفُهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُسْلِمُوا وَيُسْلِمَ قَوْمُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ أَسْلَمُوا وَلَكِنْ عَلَى ضَعْفٍ فَيُرِيدُ تَقْرِيرَهُمْ عَلَيْهِ وَصِنْفٌ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ مِثْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيِّ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيِّ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ خَوْفًا مِنْهُمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَخَافُونَ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُعْطِيهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يُكِبَّهُمْ اللَّهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ وَهُمْ كُفَّارٌ قِيلَ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَغْنِيَائِهِمْ فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ مِنْ مَالِ الْفُقَرَاءِ قَائِمًا مَقَامَ جِهَادِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ثُمَّ سَقَطَ هَذَا السَّهْمُ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ الْمُؤَلَّفَةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ بِعَادَتِهِمْ فَكَتَبَ لَهُمْ فَذَهَبُوا بِالْكِتَابِ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَأْخُذُوا خَطَّهُ عَلَى الصَّحِيفَةِ فَمَزَّقَهَا وَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا بِكُمْ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ إمَّا أَسْلَمْتُمْ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَرَجَعُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا لَهُ أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمْضَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ قَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْفَقِيرُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَا يَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ وَيَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ فَإِنْ قِيلَ الْبُدَاءَةُ بِالْفُقَرَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْوَجُ قُلْنَا إنَّمَا بَدَأَ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ فَالِاهْتِمَامُ بِهِمْ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى جَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَهَلْ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ صِنْفَانِ.
قَالَ قَاضِي خان صِنْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَفَائِدَتُهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نِصْفَانِ نِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ) أَيْ يُعْطِيه مَا يَكْفِيه وَأَعْوَانَهُ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُقَدِّرٍ بِالثَّمَنِ وَالْعَامِلُ هُوَ السَّاعِي الَّذِي نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْعَامِلِ أَوْ ضَاعَ سَقَطَ حَقُّهُ وَأَجْزَأَ عَنْ الزَّكَاةِ عَنْ الْمُؤَدِّينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلُ الْهَاشِمِيُّ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَإِنْ جُعِلَ الْهَاشِمِيُّ عَامِلًا وَأُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ مَعَ الْغِنَى وَصَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَفِي الرِّقَابِ يُعَانُ الْمُكَاتَبُونَ فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ) إلَّا مُكَاتَبَ الْهَاشِمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا بِخِلَافِ مُكَاتَبِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ كَبِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ دُفِعَ إلَيْهِ الزَّكَاةُ يَطِيبُ لِمَوْلَاهُ الْغَنِيِّ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا دُفِعَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ اسْتَغْنَى وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ فِي يَدِهِ يَطِيبُ لَهُ أَكْلُهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ) أَيْ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَوْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ غَنِيًّا سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ غَنِيًّا.
قَوْلُهُ: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَابْنِ السَّبِيلِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ وَهُوَ فِي مَكَان آخَرَ لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ) وَلَا يَجِدُ مَنْ يُدِينُهُ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مَا يَكْفِيه إلَى وَطَنِهِ لَا غَيْرُ وَسُمِّيَ ابْنَ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلسَّفَرِ وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ فَنُسِبَ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ مِنْ زَادٍ وَحُمُولَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى ذِمِّيٍّ) وَيَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِ إجْمَاعًا وَاخْتَلَفُوا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الذِّمِّيِّ إلَّا أَنَّ الصَّرْفَ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ إلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا يُكَفَّنُ بِهَا مَيِّتٌ) لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَهُوَ الرُّكْنُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ يَكُونُ الْكَفَنُ لِلْمُكَفِّنِ لَا لِلْوَارِثِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا لَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ مَيِّتٍ وَلَا يُبْنَى بِهَا السِّقَايَاتُ وَلَا تُحْفَرُ بِهَا الْآبَارُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهَا فَقِيرٌ أَوْ يَقْبِضَهَا لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ إطْعَامُهَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ قَضَى بِهَا دَيْنَ حَيٍّ إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَشْتَرِي بِهَا رَقَبَةً تَعْتِقُ) لِأَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ الْغَنِيِّ وَوَلَدِ الْغَنِيِّ الصَّغِيرِ وَزَوْجَةِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ عَلَيْهِ وَعَبْدِ الْغَنِيِّ الْقَنِّ وَدَفْعُهَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَالْكَافِرِ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَقَوْلُهُ إلَى غَنِيٍّ يَعْنِي غَنِيًّا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَنِيُّ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ ثِيَابِهِ وَدَارِ سُكْنَاهُ وَأَثَاثِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَدَوَابِّ رُكُوبِهِ وَسِلَاحِ اسْتِعْمَالِهِ ثُمَّ الْغَنِيُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ غَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَبُ الصَّدَقَةِ وَقَبُولُهَا وَغَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ الْإِعْطَاءُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَالِهِ يَقِينًا أَوْ بِأَكْثَرِ رَأْيِهِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَيَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ صَدَقَةُ الْأَوْقَافِ إذَا سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ الَّذِي يَحْرُمُ السُّؤَالُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَصَاعِدًا وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ يَبْلُغُ نِصَابًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا وَلَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ عَادِلَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ الْكِفَايَةِ إلَى وَقْتِ الْحُلُولِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْفَعُ الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَإِنْ عَلَا) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ أَوْ الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ وَلِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ عَلَيْهِ مُسْتَحَقَّةٌ وَمُوَاسَاتُهُمْ وَمُؤْنَتُهُمْ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ مِنْ طَرِيقِ الصِّلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقُّوهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مُضَافٌ إلَى الْأَبِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَكَذَا دَفْعُ عُشْرِهِ وَسَائِرِ وَاجِبَاتِهِ لَا تَجُوزُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الرِّكَازِ إذَا أَصَابَهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ خُمُسِهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْتَاجًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ وَسَوَاءٌ كَانُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَاجِبَةٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِعَدَمِ خُلُوصِ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ الْأَبِ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ شُبْهَةً فِي مِلْكِ ابْنِهِ فَكَانَ مَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلَدِهِ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَا الْمَخْلُوقُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الزِّنَا لَا يُعْطِيه زَكَاتَهُ وَكَذَا إذَا نَفَى وَلَدَهُ أَيْضًا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْغَائِبِ فَوَلَدَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَلَدُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ وَيَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلَادَ مِنْ الثَّانِي رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
قَوْلُهُ: (وَلَا إلَى امْرَأَتِهِ) لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا فِي الْمَنَافِعِ وَاخْتِلَاطًا فِي أَمْوَالِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى} قِيلَ بِمَالِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَدْفَعُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَا ذَكَرْنَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَدْفَعُ إلَيْهِ) لِمَا رُوِيَ {أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إلَى زَوْجِهَا فَقَالَ لَك أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ} وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَنَاعَ الْيَدَيْنِ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ فَتَأْخُذُ مِنْهُمْ لَا أَنَّهَا كَانَتْ مُوسِرَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَلَا إلَى مَمْلُوكِهِ) وَكَذَا لَا يَدْفَعُ إلَى مُدَبَّرِهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ إذْ كَسْبُ الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَرُبَّمَا يَعْجَزُ فَيَكُونُ الْكَسْبُ لِلْمَوْلَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا إلَى مَمْلُوكٍ غَنِيٍّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِمَوْلَاهُ وَمُدَبَّرِ الْغَنِيِّ وَأُمِّ وَلَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقِنُّ وَمَا دُونَ الْغَنِيِّ إنْ كَانَ مَدْيُونًا وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ إجْمَاعًا وَمُكَاتَبُ الْغَنِيِّ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ}.
قَوْلُهُ: (وَلَا إلَى وَلَدِ غَنِيٍّ إذَا كَانَ صَغِيرًا) لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا فَقِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ وَلَوْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا وَقِيلَ إنْ كَانَ زَمِنًا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ غَنِيًّا بِمِقْدَارِ النَّفَقَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْفَرْضِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا دَفَعَ إلَى ابْنَةِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِغِنَى أَبِيهَا وَزَوْجِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَأَمَّا أَبُو الْغَنِيِّ فَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَأَمَّا زَوْجَةُ الْغَنِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَهْرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ تُعْطَى وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَا تُعْطَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُعْطَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْكَرْخِيِّ تُعْطَى عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُعْطَى وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهَا مَهْرٌ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ مُعْسِرًا يَجُوزُ لَهَا الْأَخْذُ وَلِلدَّافِعِ الْإِعْطَاءُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِنِصَابٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِصَابٌ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَصَارِفِ حُكْمُهُمْ سَوَاءٌ فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشُورِ إلَّا فِي الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ خَاصَّةً فَإِنَّ خُمُسَ ذَلِكَ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لَا تَكْفِيه فَإِذَا جَازَ لِنَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى قَالَ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَخٌ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ فَكَسَاهُ وَأَطْعَمَهُ يَنْوِي بِهِ الزَّكَاةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ فِي الْكِسْوَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ وَمَنْ عَالَ يَتِيمًا بِكِسْوَةٍ وَبِنَفَقَةٍ مِنْ الزَّكَاةِ جَازَ فِي الْكِسْوَةِ دُونَ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ فِي الْإِطْعَامِ إبَاحَةٌ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَى يَدِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيهِمَا رَجُلٌ أَعْطَى فَقِيرًا مِنْ زَكَاتِهِ أَوْ مِنْ عُشْرِ أَرْضِهِ أَوْ مِنْ فِطْرَتِهِ ثُمَّ إنَّ الْفَقِيرَ أَطْعَمَهُ الْمُعْطِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِغَنِيٍّ آخَرَ أَوْ هَاشِمِيٍّ أَوْ لِأَبِي الْمُعْطِي أَوْ لِابْنِهِ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَيَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ فَإِنْ تَبَدَّلَتْ الْعَيْنُ الْمُعْطَاةُ بِأَنْ بَاعَهَا الْفَقِيرُ بِعَيْنٍ أُخْرَى بِأَنْ كَانَ تَمْرًا فَبَاعَهُ بِزَبِيبٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَازَ فِيهَا الْإِبَاحَةُ وَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ كَتَبَدُّلِ الْمِلْكِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُدْفَعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ) يَعْنِي الْأَجْنَبِيَّ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الزَّكَاةِ كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ وَكَذَا يَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ الْأَوْقَافِ إلَيْهِمْ إذَا سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُسَالَةٍ إذْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَا فَرْضٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ الْوَاقِفُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّاهُمْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمَ التَّطَوُّعِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِلْأَغْنِيَاءِ فَكَذَا لِبَنِي هَاشِمٍ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ الْوَاقِفُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَكُونُ صَدَقَةً وَاجِبَةً وَيَجُوزُ صَرْفُ خُمُسِ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ إلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَلَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا جَزَاءُ الصَّيْدِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ كَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى الصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةً مِنْ وَجْهٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتَوَى الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَغَلَبَ الْحَظْرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رِزْقُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِهَؤُلَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَذُرِّيَّةِ أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنَاصِرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ عَبِيدِهِمْ لِأَنَّ مَوَالِيَهُمْ تَشَرَّفُوا بِشَرَفِهِمْ وَأَمَّا مُكَاتَبُوهُمْ فَذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى رَجُلٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ دَفْع فِي ظُلْمَةٍ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) هَذَا إذَا تَحَرَّى وَدَفَعَ وَأَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ دَفَعَ وَفِي أَكْثَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لَا يَجْزِيه إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرٍ) يَعْنِي الذِّمِّيَّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ {يَزِيدَ بْنَ مَعْنٍ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَدَفَعَهَا إلَى أَبِيهِ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَآهَا مَعَهُ فِي يَدِهِ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا يَزِيدُ لَك مَا نَوَيْت وَلَك يَا مَعْنُ مَا أَخَذْت}.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَمْ يَجُزْ) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا كَانَ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يَجْزِيه وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ) سَوَاءٌ كَانَ النِّصَابُ نَامِيًا أَوْ غَيْرَ نَامٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَا يَسْكُنُهُ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَهَذَا النِّصَابُ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ قَالَ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَوْلُهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ دَفَعَ جَازَ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ فِي الْغِنَى وَلَنَا أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ فَيَعْقُبُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغِنَى مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ يَأْخُذُ وَاحِدًا وَيَرُدُّ وَاحِدًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَيْرَ مَدْيُونٍ وَلَا لَهُ عِيَالٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ مَا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى عِيَالِهِ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَصَدُّقٌ عَلَى عِيَالِهِ كَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ دَيْنِهِ وَمَا يَفْضُلُ عَنْهُ دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقْضِي حَوَائِجَهُ أَوْ إلَى مَنْ بَشَّرَهُ بِبِشَارَةٍ أَوْ إلَى مَنْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً جَازَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّعْوِيضِ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالزَّكَاةِ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَقَبَضَهُ لَهُ وَلِيّه أَوْ مَنْ يَعُولُهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ فَقَبَضَ لِنَفْسِهِ جَازَ وَاللَّقِيطُ يَقْبِضُ لَهُ الْمُلْتَقِطُ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَإِنَّمَا تُصْرَفُ صَدَقَةُ كُلِّ قَوْمٍ فِيهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَمَهمَا كَانَتْ الْمُجَاوَرَةُ أَقْرَبَ كَانَ رِعَايَتُهَا أَوْجَبَ فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى غَيْرِهِمْ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ بِالنَّصِّ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ نَقْلُهَا إذَا كَانَ فِي حِينِهَا بِأَنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ حِينِهَا فَلَا بَأْسَ بِالنَّقْلِ.
وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ شَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الزَّكَاةَ إلَى فُقَرَاءِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ دُونَ الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمَالِ وَصِيَّةٌ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ إلَى فُقَرَاءِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُوصِي وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي الزَّكَاةِ يُعْتَبَرُ مَكَانُ الْمَالِ وَفِي الْفِطْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ مَكَانَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَنْ عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ مَكَانَ الْعَبِيدِ وَالْأَوْلَادِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَكَانَ الْأَبِ وَالْمَوْلَى وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا الْإِنْسَانُ إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَزِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ وَالنُّذُورِ الصَّرْفُ أَوَّلًا إلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ إلَى الْجِيرَانِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ حِرْفَتِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ وَلَا يَنْقُلُهَا إلَى بَلَدٍ أُخْرَى إلَّا إذَا كَانُوا أَحْوَجَ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ